خلصنا في هذه الدراسة إلى حصر الإصطلاحات المقاربة للفظ
"سنة الله" وهي على ما ترجح لدينا "سيرة الله، طريقة الله، عادة
الله"، ومن خلال البحث اللغوي نجد أنّ هذه الإصطلاحات الثلاثة يمكن إدراجها
لوضع تعريف جامع مانع لمفهوم سنن الله تعالى على طريقة المتكلمين والأصوليين.
أولا: السِّيرَةُ
مصدر سارَ/ سارَ إلى/ سارَ على/ سارَ في، الجمع: سِيرات و
سِيَر.
السِّيرَةُ: السُّنَّةُ، السِّيرَةُ، السُّلُوكُ، التَّصَرُفُ،
الطريقةُ، والسِّيرَةُ: الحَالَةُ أو الهَيْئَةُ: {سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا
الأُولَى}. يقال سارَ السُّنَّةَ أو السِّيرةَ: سلكها، اتّبعها وتقيّد بها، ويقال سَنَّ
سِيرَةً يَسيرُ على خُطاها: سُنَّةً أو خُطَّةً.
ثانيا: الطَّريقَةُ
مصدر طرَقَ/ طرَقَ بـ/ طرَقَ على/ طرَقَ في يَطرُق، طَرْقًا
وطُروقًا، فهو طارِق، والمفعول مطروق. طَرَائِقُ: جمع طَريقة.
الطَّريقَةُ: السِّيرَةُ، المذهب، المَسْلَكٌ، النَهْجٌ،
الأُسْلُوبُ، الوَسِيلَةُ. والطّرِيقُ: الممرُّ الواسعُ الممتد أَوسع من الشارع وفي الحديث {إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى
الطُّرُقَاتِ}().
ثانيا: العَادَةُ
مصدر عادَ يَعود، عُدْ، عَوْدةً وعَوْدًا، فهو عائدٌ
والمفعول مَعُودٌ والجمع: عَادَاتٌ، عَوَائِدُ. يقال عَادَ الشيءَ: أَتاه مرَّة
بعد أُخرى، عَادَ الشيءُ فلانًا: أَصابه مرة بعد أُخرى.
العَادَةُ: الحالةُ تتكرَّر على نهج واحد، أو فعل يتكرَّر
على وتيرة واحدة، وهي كلُّ ما اعتيد حتى صار يفعل من غير جهد، وَالْمَأْلُوفِ: مَا
يَعْتَادُهُ الْمَرْءُ وَيُكَرِّرُهُ.
من خلال ما تقدم في هذه الدراسة من البحث اللغوي في مدلولات
الألفاظ، وفي مدلولات صفات سنن الله تعالى على وجه الإجمال، كذا في الصفات العارضة
لها والتي سيأتي بيانها، فلقد ترجح لنا ما
يلي :
أ-
إن إستعمال لفظة السيرة لغويا أقرب في المعنى لمفهوم السنة من لفظتي الطريقة أو العادة، وما يعضد هذا الرأي ما
جاء
في حاشية الشهاب علي تفسير البيضاوي (): "وقولنا سنة أحسن
من قول بعضهم عادة لأنّ العادة لا تطلق عليه تعالى كما في الانتصاف لكن الزمخشريّ
وغيره يستعملها". والوارد في الآثار ما ذكرناه سابقاً وهو ما إستعمله حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنه
وأرضاه وعلى آل نبينا السلام، واصفا به سنة الله في قوله تعالى () :{سُنَّةَ الله} هَكَذَا سيرة الله.
كما ألحقنا بالمركب الإضافي "سيرة الله" صفة الاعتياد
كي تفيد مفهوم التكرر، وهذه الصفة نجدها قد إستعملها علماء التفسير منهم الشيخ محمد
الطاهر بن عاشور () : وَالسُّنَّةُ:
الْعَادَةُ الْمَأْلُوفَةُ.
ب- إن الصفات اللاتي سبق التفصيل فيهن، تعتبر صفات ملازمة لسنن الله، منها صفتان
واجبتان أي ما يلزم من عدمهما محال وهما صفتا الخلو والمضي، وصفتان ممتنعتان أي
يلزم من وجودهما محال وهما صفتا طروء التبديل والتحويل.
ت- تعدّ سنن الله تعالى من المعارف
الإلهية النظرية المطلوب تحصيلها شرعا، وورد هذا الطلب مباشرة بعد ذكر لفظ {سُنَنٌ} في الآية من قوله تعالى ﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ
فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ ().
وعليه يتأكد من خلال الآية أن سنن الله تعالى معروفة بالفطرة () ومكتسبة بالنظر() والإستدلال (). وأدرجنا الفطرة في معرفة
سنن الله تعالى، وهو ذاته مذهب أهل الحديث في معرفة الله والمعارف الإلهية كأسمائه
وصفاته عَزَّ وَجلَّ، وهذا توفيقا بين الأراء المختلفة من مذهب المتكلمين والفقهاء
من أهل العلم، والقول به ليس بدعا وإنما
هو الجمع بين المذهبين والأراء المعتبرة. إذ تعدّ السنن الإلهية الوجودية
الأربعة "الأجل، العمل، الرزق، الهدى" من المعارف الإلهية المعروفة فطرة
إذ لا يحتاج إلى صحيح نظر أو استدلال في معرفتها، وقد سبق الحديث عن هذه السنن في
مقال سابق، خلافا لباقي سنن الله التي أمر سبحانه عَزَّ وَجلَّ بالنظر والسير للتعرف عليها.
وخلاصة ما تقدم، نخلص إلى تعريف
سنة/سنن الله تعالى تعريفا جامعا مانعا، كما نحسبه والله تعالى أعلى وأعلم، نورده
على النحو التالي:
سُنَّةُ/سُنَنُ اللهِ تَعَالَى:
سيرةُ اللهِ المُعْتَادَةُ في خَلْقِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا، التِي قَدْ خَلَتْ من
قَبْلُ ومَضَتْ، المَعْرُوفَةُ فِطْرَةً وَالمُكْتَسَبَةُ بِالنّظّرِ والاِسْتِدْلاَلِ،
والتي يَلْزَمُ مِنْ تَبْدِيلِهَا أَوْ تَحْوِيلِهَا مُحَالٌ.