يمثل الجدول أدناه مختلف الإصطلاحات التي أستعملت في
تعريف سنن الله تعالى أو السنن الإلهية. ومن خلال الجدول يتضح لنا جليا إستعمال البعض
منها في الاعتبارين (الإفراد والتركيب): الشرائع/ شريعة الله، الوقائع/ وقائع الله، القوانين/ قوانين الله، الأحكام/ حكم الله، كما
نجد شبه إتفاق على تداول لفظتين مشتركتين في الإفراد والتركيب معا ألا وهما: الطريقة/
العادة، طريقة الله/ عادة الله.
جدول: إستقراء التعريفات والإصطلاحات الواردة في شأن السنة والسنن
من الناحية المبدئية فإننا نجد إتفاقا وإجماعا على أن
السنن تنسب إلى الله فعلا وجعلا ووضعا منه عَزَّ وَجَلَّ، وهذا ما
يتجلى في عموم ما أوردناه من
تعريفات في هذه الدراسة، وتضاف إلى إليه
عزّوجل إبتداءا كونه هو الخالق الباريء لهذا الوجود والواضع سننه، ولولاه لما كان
شيء من هذه السنن في هذا الوجود. ومن جهة ثانية فإن إضافتها إلى الله تميزها وتعظمها
وهذا ما أقره أبو بكر الرازي في مفاتيح الغيب() حيث قال: فإذا قال سنة الأولين تميزت وفي الثاني أضافها
إلى الله، لأنها لما علمت فالإضافة إلى الله تعظمها وتبين أنها أمر واقع ليس لها
من دافع.
وما يأخذنا كذلك إلى اعتبار إضافة السنن إلى الله تعالى
لا إلى غيره ما ذهب إليه الإمام الآلوسي
في تفسيره ():{فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ ٱلأَوَّلِينِ}
وأضيفت السنة إليهم لما بينهما من الملابسة الظاهرة، ونظير ذلك قوله سبحانه:
{سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا} فأضاف السنة إلى المرسلين مع أنها سنته تعالى
لقوله سبحانه:{وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً} باعتبار جريانها على أيديهم.
وما ذهب إليه أبو بكر الرازي كذلك يوافق ما إعتمدناه من إضافة السنن إلى الله حيث
يقول (): الإهلاك ليس سنة الأولين إنما هو
سنة الله بالأولين. ثم يتم قوله في نفس المقال: فكذلك سنة الله بهم أضافها إليهم
لأنها سنة سنت بهم وأضافها إلى نفسه بعدها بقوله: {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ
تَبْدِيلاً} لأنها سنة من سنن الله.
ومن جهة أخرى فإن سنن
الله تعدّ من المعارف الإلهية فإضافتها إليه عَزَّ وَجَلَّ معتبر شرعا، إذ يعتبر مصدر
إستقراء السنن ومنبعه: الوحي والفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، والنظر والإستدلال
الصحيحان الذان أودعهما الله في عباده.
ويورد الإمام القرطبي كلاما نفيسا في
بيان الفرق الحاصل بين إضافة السنن إلى الله أو إضافتها إلى الأولين أو المرسلين
فيقول مفسرا قوله تعالى (): {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ آلأَوَّلِينَ}
والسُّنّة الطريقة، والجمع سُنَن،...، وقال في موضع آخر: {سُنَّةَ مَن قَدْ
أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا}() فأضاف إلى القوم لتعلّق الأمر بالجانبين؛ وهو كالأجل، تارة يضاف إلى الله،
وتارة إلى القوم؛ قال الله تعالى: {فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ} ().
تعدّ جملة الإصطلاحات " قوانين الله، منهج الله، النظام
الإلهي، القرار الإلهي، معاملات الله" التي إستعملت في وصف سنن الله تعالى
إصطلاحات أكاديمية أقرب منها إلى كونها شرعية، ونحن في دراستنا هذه إذ نتطرق إلى
دراسة السنن في جانبها الشرعي باعتبار ورودها في كتاب الله تعالى، ومن هذا المنطلق
فنحن في هذه الدراسة نستغني بالإصطلاحات الشرعية التي وردت في تعريف سنن الله تعالى كلفظ تركيبي إضافي.
يبقى البحث عن التعريف المناسب لسنن الله تعالى بدراسة ما تبقى من التعريفات الإصطلاحية وهي كالتالي: شريعة الله، وقائع
الله، سيرة الله، قضاء الله، قدر الله، أمر الله، طريقة الله، عادة الله، حكم الله،
كلمات
الله.
يعترض الإمام
الآلوسي () على إطلاق مصطلح الوقائع على سنن الله تعالى إذ يقوله: نعم إطلاق السنة على الشريعة أقرب من إطلاقها على
الوقعة لأنها في الأصل الطريقة والعادة. كما يورد الإمام أبو بكر الرازي إعتراضه على
وصف السنن بالحكم كون أن الأحكام والشرائع
يعتريها النسخ والتبديل، حيث أورد في تفسيره () في قوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَنْ
تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} أَيْ لَيْسَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ مِثْلَ
الْحُكْمِ الَّذِي يُبَدَّلُ وَيُنْسَخُ فَإِنَّ النَّسْخَ يَكُونُ فِي
الْأَحْكَامِ، أَمَّا الْأَفْعَالُ وَالْأَخْبَارُ فَلَا تُنْسَخُ.
وما نراه أن إعتراض الإمامين في
محلهما من خلال ماقدماه من أدلة، وعليه فإن تعريف سنن الله تعالى تنحصر في
الإصطلاحات التالية: سيرة الله، قضاء الله، قدر
الله، أمر الله، طريقة الله، عادة الله، كلمات الله.
وإتماما لعملية الفرز وإقصاء التعريفات التي فيما يبدو أنها
بعيدة عن معنى السنن وجب علينا العودة إلى التمعن في كتاب الله، فمن خلال دراسة الآية من قوله تعالى ﴿مَّا
كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي
الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا﴾ () ، يتضح ورود ثلاث ألفاظ مركبات أضيفت إلى الله عَزَّ وَجَلَّ في قوله تعالى
{فَرَضَ اللَّهُ} و{سُنَّةَ اللَّهِ}
و{أَمْرُ اللَّهِ}. فأما التركيب الثالث {أَمْرُ اللَّهِ} فقد جاء وصفه تابعا له
في قوله تعالى {قَدَرًا مَّقْدُورًا}، وأفادت الجملة من قوله تعالى {وَكَانَ أَمْرُ
اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا} وصفا لما قبلها من الألفاظ التركيبية {فَرَضَ اللَّهُ}
و{سُنَّةَ اللَّهِ}، فما فرضه الله إلا أمر منه تعالى وقدره المقضي المحتوم، وما
سنه الله عَزَّ وَجَلَّ إلا أمره النافذ وقدره المحتوم على ما خلق.
ومن خلال ما تقدم يستثى من
التعريفات السابق حصرها ما يلي : قضاء الله، قدر
الله، أمر الله لأنها تعد أوصاف في تعريف سنن الله تعالى. أما وصف سنن الله بكلمات الله فهذا
لا يتناسب فيما نظنه في تعريف السنن، إذ كلمات الله هي ما خطه القلم من كلامه عَزَّ
وَجَلَّ مصداقا لقوله تعالى﴿وَلَوْ
أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن
بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ
حَكِيمٌ﴾ (). وما تبقّى
من التعريفات الإصطلاحية "سيرة الله، طريقة الله، عادة الله" أقرب إلى
الصواب في تعريف سنة الله تعالى، والله أعلم.