تدل
مجموعة مصطلحات على ارتباط السنن بالله تعالى فعلا وجعلا ووضعا منه عزّ وجلّ، وهذا
ما يتجلى في كل الألفاظ المستعملة كمركبات إضافية الواردة منها على وجه مخصوص في
التفاسير القرآنية كما سبق الإشارة إليها في مواضع سابقة، ونوردها في هذا
المقام بشيء من التفصيل. ومن جملة ما
ذكروه من هذه المركبات الإضافية: فعل الله، حكم الله، سيرة الله، معاملات الله، قضاء
الله، قدر الله،كلمة الله، أمر الله، عادة الله، قوانين الله، طرائق الله، قرار
الله، فعل الله، شريعة الله، منهج الله، وقائع الله ، النظام الإلهي والقرار
الإلهي. وهذه الألفاظ نذكرها على سبيل التعداد لا على سبيل الحصر من خلال عملية
إستقراء المراجع الوارد ذكرها في هذه الدراسة.
السنن بوصفها فعل الله:
تعرف
الأستاذة ناهد يوسف رزق السنن "السنن الإلهية هي
ما يجري من الله تعالى فعلا وإخبارا ". ويعرفها عبد الحميد الفراهي السنة على أنها فعل الله
في الأمم (). وما
اختاره الأستاذ مجدي عاشور: "السنة ما اطرد من فعل الله في معاملة الأمم
والأفراد، بناء على أعمالهم وسلوكهم ومواقفهم من شرع الله وأثر ذلك في الدنيا والآخرة"
() .
السنن بوصفها حكم الله
يقدم شيخ الإسلام ابن تيمية تعريفا منهجيا –
إذ يقول أن "السنة الإلهية حكم الله في الأمور المتماثلة " ()، وعند عامر الكفيشي: "سنة الله في الخلق تمثل حكم
الله ومشيئته في خليقته" ().
وعرفها أحمد كنعان: "السنة هي حكم الله في خليقته"
() .
وعرفها عبد الكريم يونس الخطيب بذات الإصطلاح () : سنسنّ
بهم سنة الذين سبقوهم من قبل، ونأخذهم بما أخذنا به أمثالهم من أهل الضلال والنفاق،...،
فهذا هو حكم الله في المفسدين في الأرض، وهو حكم قائم لا يتبدل أبدا. يعترض أبو بكر الرازي على وصف السنن بالحكم كون أن
الأحكام يعتريها النسخ والتبديل على حد قوله، حيث أورد في تفسيره () في قوله عز وجل: {سُنَّةَ اللَّهِ
الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} يَعْنِي
هَذَا لَيْسَ بِدْعًا بِكُمْ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ جَارِيَةٌ وَعَادَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ
تُفْعَلُ بِالْمُكَذِّبِينَ.
السنن
بوصفها قضاء الله
تفرد عبد الكريم يونس الخطيب في التفسير القرآني للقرآن () بوصف سنة الله بقضاء الله حيث قال " سنة الله: هى حكمه، وقضاؤه".
السنن بوصفها عادة الله
يقول
شيخ الإسلام إين تيمية معرفا للسنن الإلهية
"
فهذه
سنة الله وعادته في نصر عباده المؤمنين على الكافرين" (). وبنفس المعنى يعرف
تلميذه ابن القيم السنن الإلهية "فسنته سبحانه عادته المعلومة في أوليائه
وأعدائه" (). وعرفها بذات الإصطلاح عبد القادر بن ملّا العاني في تفسيره () : {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} أي أن أخذ أمثال
هؤلاء وقتلهم وإجلاءهم إن يبقوا مصرين على حالهم هي عادة الله في خلقه السالفين. ودرج
الماوردي في تفسيره على نفس الإصطلاح () حيث أورد في قوله: {وَلَن تَجِدَ
لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} وجهان: أحدهما ولن تتغير سنة الله وعادته في نصرك
على أعدائك وأعدائه. الثاني لن تجد لعادة الله في نصر رسله مانعاً من الظفر
بأعدائه وهو محتمل. وبه قال أيضا ابن جزي ():{سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ}
أي عادة الله في الأنبياء المتقدمين أن ينالوا ما أحل الله لهم.
وعرفها الطوسي في التبيان الجامع لعلوم القرآن ():{لسنة الله تبديلاً} أي لا يغير الله عادته من عقوبة من
جحد ربوبيته. وبهذا الإصطلاح عرفها الزمخشري () : {سُنَّتُ ٱلأَوَّلِينِ} إنزال العذاب على الذين كذبوا برسلهم من الأمم
قبلهم، وجعل استقبالهم لذلك انتظاراً له منهم، وبين أنّ عادته التي هي الانتقام من
مكذبي الرسل عادة لا يبدلها ولا يحولها. وصرح بهذا الإصطلاح ابن جزي في تفسيره (): {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ}
أي عادة الله في الأنبياء المتقدمين أن ينالوا ما أحل الله لهم.
السنن بوصفها طريقة الله
يعرف كلا من الراغب الأصفهاني والفيروز آبادي
السنة على كونها: "طريقة حكمة الله وطريقة طاعته" (). وعند أبي عبد الله
القرطبي (): سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلُ" يعني طريقة الله وعادته السَّالِفَةُ نَصْرُ أَوْلِيَائِهِ عَلَى
أَعْدَائِهِ. ويعرفها الطوسي في تفسيره() تعريفا مستفيضا على كونها الطريقة حيث يقول في تفسير قوله تعالى{سُنَّةَ
اللّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوا مِن قَبلُ} فالسنة الطريقة في تدبير الحكيم ومنه
سنة رسول اللّه، وهي الطريقة الّتي أجراها بأمر اللّه تعالى، فأضيفت إليه
لأنه فعلها بأمر اللّه. وأصل السنة الطريقة. ومن عمل الشيء مرة أو مرتين
لا يقال: إن ذلك سنة، لأن السنة الطريقة الجارية، و لا تكون جارية بما
لا يعتد به من العمل القليل. وعرف البقاعي في نظم الدرر في تناسب
الآيات والسور () السنة بالطريقة حيث فسر قوله تعالى {إلا سنت الأولين} أي طريقتهم في سرعة
أخذ الله لهم وإنزال العذاب بهم. وأضاف في قوله تعالى{فلن تجد} أي أصلاً في وقت من
الأوقات {لسنت الله} أي طريقة الملك الأعظم التي شرعها وحكم بها. ويقول إسماعيل حقي (): إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ أي
سنة الله فى الأمم المتقدمة بتعذيب مكذبيهم وماكريهم. والسنة الطريقة وسنة النبي
طريقته التي كان يتحراها وسنة الله طريقة حكمته. وسار على هذا التعريف لجنة من
علماء الأزهر في تفسير قوله تعالى من سورة الحجر {سُنَّةُ الْأَوَّلين} (): وقد مضت
طريقة اللَّه تعالى فى إمهالهم حتى يروا عذاب يوم القيامة المؤلم.
السنن بوصفها سيرة الله
جاء وصف سنة الله
على أنها سيرة الله في تفسير ابن عباس (): {سُنَّةَ الله} هَكَذَا سيرة الله
{الَّتِي قَدْ خَلَتْ} مَضَت {فِي} على {عِبَادِهِ}. وفي تفسيره أيضا (): {وَقَدْ
خَلَتْ} مَضَت {سُنَّةُ الْأَوَّلين} سيرة الْأَوَّلين بتكذيب الرُّسُل كَمَا
كَذبك قَوْمك وَمَضَت سيرة الله فيهم بِالْعَذَابِ والهلاك من الله لَهُم عِنْد
التَّكْذِيب.
السنن بوصفها معاملات الله
تفرد
إسماعيل حقي في تعريف السنن في تفسيره روح البيان () بأنها
معاملات الله حيث يقول في تفسير قوله تعالى {قَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} فالمراد بسنن الله تعالى معاملات الله فى الأمم المكذبة
بالهلاك والاستئصال بدليل قوله تعالى {فَانْظُروا كَيْفَ كانَ
عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ}.
السنن بوصفها قدر الله
وكلمته وأمره
تعريف فتحي شهاب الدين: "إن
السنن هي أمر الله وقدره الثابت الذي لا يتبدل" (). وقد عرفها محمد جابري بأنها " كلمات الله
التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر"().
وجاء في تعريف رندا عوني :
"السنة مقادير إلهية وأحكام ربانية مترتبة على أفعال العباد وتوجهاتهم، كل
ذلك ضمن مشيئة الله سبحانه وتعالى وقدرته" ().
السنن بوصفها وقائع الله
عرّف أبو محمد
مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي
المالكي سنن الله على كونها وقائع الله في
تفسير قوله تعالى (): {وَقَدْ
خَلَتْ سُنَّةُ الأولين} وقد خلت وقائع الله عز وجل بمن خلا قبلهم.
السنن بوصفها شريعة الله
وصف إبراهيم
محمد إسماعيل السنن بأنها شريعة الله حيث
يقول () " فالسنن عنده هي
شريعة الله وطريقته وما جرى من نظامه في خلقه".
السنن بوصفها منهج الله
عرفها
شريف الشيخ صالح أحمد الخطيب بوصفها منهج الله: " السنة الإلهية منهج الله
تعالى في تسيير هذا الكون وعمارته وحكمه" ()، أما محمد عبد المنعم
خفاجي فقد عرفها: "سنة الله هي المنهج الإلهي في تسيير أمر حياتنا، وهي
طريقته في تربية الأمم، وهي شرائعه التي يرشد الإنسانية بها إلى الله وإلى الحق" ().
السنن بوصفها قوانين الله
جاء
في تعريف صاحب المنار عند الشيخ رشيد رضا: "السنن
قوانين الله تعالى الجارية في الكون وفي البشر أفرادا وجماعات وأمما وفق نظام ثابت
لا يتغير ().
السنن بوصفها النظام الإلهي
جاء وصفها بالنظام الإلهي عند سمير سلمان:" السنن
الإلهية هي النظام الإلهي العام، الذي يخضع له الخلق أفرادا وجماعات" (). وتكرر هذا الوصف عند رمضان خميس زكي: "السنن النظام الإلهي الذي يحكم
سلوك البشر في انضباط واطراد" (). ويستعمل سمير سلمان ذات
المصطلح في تعريفه للسنن: "النهج والنظام الإلهي العام الذي يخضع له الخلق
أفرادا وجماعات" ().
v خلاصة ما قيل في تعريف السنن الإلهية بإعتبارها
مركبات إضافية
بنظرة
تحليلية في تعريف سنة الله وسنن الله تعريفا لفظيا مركبا، نجد إستعمالا كثيفا
لألفاظ متعددة عند جمهرة المفسرين في مختلف تفاسيرهم القرآنية، وتركيزا خاصا على
الدلالة اللغوية، ومجمل ما وصفت به سنة الله أو سنن الله ما يلي: لفظ وقائع الله،
شريعة الله، سيرة الله، معاملات الله، حكم
الله وقضاء الله. وسلك المفكرون مسلكا
مختلفا في التعبير عن سنة الله وسنن الله فأدرجوا بعض العبارات الأكاديمية العلمية
كما فعلوا في الألفاظ المفردة السابق ذكرها، ومجمل ما استعملوا: قوانين الله، النظام
الإلهي والقرار الإلهي، منهج الله، كا استعملوا مصطلحات شرعية منها: فعل الله، قدر
الله، كلمة الله، أمر الله. وإشترك بعض المفسرين والعلماء والمفكرين في وصف
السنن بــِ طريقة الله وعادة الله وحكم
الله،.