تفسير قوله تعالى: ﴿ سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ
مِن رُّسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا﴾ () .
جاء في تفسير ابن عطية () لقوله تعالى: ومعنى الآية الإخبار أن سنة الله تعالى في
الأمم الخالية وعادته أنها إذا أخرجت نبيها من بين أظهرها نالها العذاب واستأصلها
الهلاك فلم تلبث بعده إلا قليلا.
جاء في محاسن التأويل (): {سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا} أي هكذا عادتنا في
الذين كفروا برسلنا وآذوهم. يخرج الرسول من بين أظهرهم ويأتيهم العذاب. ولولا أنه
صلى الله عليه وسلم رسول الرحمة، لجاءهم من النقم في الدنيا ما لا قبل لأحد به،
كما قال تعالى: {
وَمَا كَانَ اللَّهُ
لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ }().
جاء في الدر المصون (): قوله تعالى {سُنَّةَ}: فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أن
ينتصِبَ على المصدرِ المؤكَّد، أي: سَنَّ الله ذلك سُنَّةَ، أو سَنَنَّا ذلك
سُنَّةَ. الثاني: - قاله الفراء - أنه على إسقاطِ الخافضِ، أي: كسُنَّةِ اللهِ،
وعلى هذا لا يُوقف على قولِه "إلا قليلاً". الثالث: أن ينتصبَ على
المفعول به، أي: اتبعْ سُنَّةَ.
جاء في إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم () : {سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن
رُّسُلِنَا} نُصب على المصدرية أي سنّ الله تعالى سُنةً وهي أن يُهلك كلَّ أمة
أَخرجت رسولَهم من بـين أظهرِهم، فالسنةُ لله تعالى وإضافتُها إلى الرسل لأنها
سُنّتْ لأجلهم على ما ينطِق به قوله عز وجل: {وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا
تَحْوِيلاً} أي تغيّراً.
جاء في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور () : ولما أخبره بذلك، أعلمه أنه سنته في جميع الرسل فقال تعالى:
{سُنَّةَ} أي كسنة أو سنتنا بك سنة {مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا} أي بما لنا من العظمة. ولما
كان الإرسال قد عمت بركته بهذه العظمة جميع الأزمان بما حفه به من قويم الفطرة،
أسقط الجار فقال تعالى: {قَبْلَكَ} أي في الأزمان الماضية كلها {مَنْ أَرْسَلْنا}
بأن جعلنا وجودهم بين ظهراني قومهم رحمة لقومهم، فإذا أخرجوهم عاجلنا من رضي
بإخراجهم بالعقوبة {وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا} أي لما لها من العظمة {تحويلاً} أي
بمحول غيرنا يحولها، لكنهم خصوا عن الأمم السالفة بأنهم لا يعذبون عذاب الاستئصال
تشريفاً لهم بهذا النبي الكريم.
جاء في غرائب القرآن ورغائب الفرقان () : ثم بين أن عادته تعالى جارية بأن
كل قوم أخرجوا رسولهم من بين ظهرانيهم فإنه يهلكهم فقال {سُنَّةَ مَنْ قَدْ
أَرْسَلْنا} وهو منصوب على المصدر المؤكد أي سن الله ذلك سنة { وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا
تَحْوِيلًا} لأن الأسباب الكلية في الأزل اقتضت توزع كل من أجزاء الزمان على حادث
معين بسبب معين، فتبيدل إحدى الحوادث وتحويلها إلى وقت آخر يقتضي تغيير الأسباب عن
أوضاعها وهو محال عقلاً وعادة.
جاء في روح
المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثان ():{سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا
قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا} نصب على المصدرية أي سننا سنة من الخ وهي أن لا ندع أمة
تستفز رسولها لتخرجه من بين ظهرانيها تلبث بعده إلا قليلاً فالسنة لله عز وجل
وأضيفت للرسل عليهم السلام لأنها سنت لأجلهم، ويدل على ذلك قوله سبحانه: {وَلاَ
تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً} حيث أضاف السنة إليه تعالى. وقال الفراء: انتصب
{سُنَّةِ} على إسقاط الخافض أي كسنة فلا يوقف على قوله تعالى{قَلِيلاً}() فالمراد تشبيه
حاله صلى الله عليه وسلم بحال من قبله لا تشبيه الفرد بفرد من ذلك النوع؛ وجوز أبو
البقاء أن يكون مفعولاً به لفعل محذوف أي اتبع سنة الخ كما قال سبحانه: {فَبِهُدَاهُمُ
ٱقْتَدِهْ}() والأنسب بما قبل ما قبل، وكأنه اعتبر الأوامر بعد وهو
خلاف ما عليه عامة المفسرين. والتحويل التغيير أي لا تجد لما أجرينا به العادة
تغييراً أي لا يغيره أحد. والمراد من نفي الوجدان هنا وفيما أشبهه نفي الوجود
ودليل نفي وجود من يغير عادة الله تعالى أظهر من الشمس في رابعة النهار، وللإمام
كلام في هذا المقام لا يخلو عن بحث.
تفسير قوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ
سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾
() .
جاء في تفسير الماتريدي () لقوله تعالى {وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ} بمعنى: جعل تلك السنن هداية لكم. ثم قوله عَزَّ وَجَلَّ: {مِنْ
قَبْلِكُمْ} يحتمل: سنته وسيرته في الذين من قبلكم؛ لتعتبروا بها. ويحتمل: سنتهم
التي لزموها، وسيرتهم التي سلكوها بما لها من العواقب. و{سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ} شرائع الذين من قبلكم من المحرمات والمحللات: من أهل التوراة،
والإنجيل، والزبور، وسائر الكتب.
جاء في الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل () لقوله تعالى: {يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيّنَ لَكُمْ }
أصله يريد الله أن يبين لكم فزيدت اللام مؤكدة لإرادة التبين كما زيدت في: لا
أبالك، لتأكيد إضافة الأب. والمعنى: يريد الله أن يبين لكم ما هو خفي عنكم من
مصالحكم وأفاضل أعمالكم، وأن يهديكم مناهج من كان قبلكم من الأنبياء والصالحين
والطرق التي سلكوها في دينهم لتقتدوا بهم {وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ } ويرشدكم إلى
طاعات إن قمتم بها كانت كفارات لسيآتكم فيتوب عليكم.
جاء في مفاتيح الغيب () والحق أن
المراد من قوله: {لِيُبَيّنَ لَكُمْ } هو أنه تعالى بين لنا هذه التكاليف، وميز
فيها الحلال من الحرام والحَسَن من القبيح. المراد أنه تعالى يهديكم سُنَنَ الذين
من قبلكم في بيان مالكم فيه من المصلحة كما بينه لهم، فان الشرائع والتكاليف وإن
كانت مختلفة في نفسها، إلا أنها متفقة في باب المصالح، وفيه قول ثالث: وهو أن
المعنى: أنه يهديكم سنن الذين من قبلكم من أهل الحق لتجتنبوا الباطل وتتبعوا الحق.
جاء في تفسير القرآن الكريم () يخبر تعالى أنه
يريد أن يبين لكم أيها المؤمنون ما أحل لكم وحرم عليكم مما تقدم ذكره في هذه
السورة وغيرها، {وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} يعني: طرائقهم
الحميدة، واتباع شرائعه التي يحبها ويرضاها.
جاء في أنوار التنزيل وأسرار التأويل () :{يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيّنَ لَكُمْ} ما تعبدكم به من
الحلال والحرام، أو ما خفي عنكم من مصالحكم ومحاسن أعمالكم، وليبين مفعول يريد
واللام زيدت لتأكيد معنى الاستقبال اللازم للإِرادة كما في قول قيس بن سعد: أَرَدْتُ
لِكَيْمَا يَعْلَم النَّاس أَنَّه سَرَاويلُ قَيْسٍ وَالوُفُودُ شُهُودُ. وقيل
المفعول محذوف، وليبين مفعول له أي يريد الحق لأجله. {وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ
مِن قَبْلِكُمْ} مناهج من تقدمكم من أهل الرشد لتسلكوا طرقهم.
جاء في تفسير المنار () : أما قوله تعالى {وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن
قَبْلِكُمْ} فمعناه أنه يريد أيضا بما شرعه لكم من الأحكام الموافقة لمصالحكم
ومنافعكم أن يهديكم سنن الذين أنعم عليهم من قبلكم من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين، أي: طرقهم في العمل بمقتضى الفطرة السليمة، وهداية الدين والشريعة.
جاء في محاسن التأويل ():{وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} أي:
يرشدكم إلى طرائق من تقدم من أهل الكتاب في تحريم ما حرمه، لتتأسوا بهم في اتباع
شرائعه التي يحبها ويرضاها.
تفسير
قوله تعالى: ﴿قَدْ
خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
الْمُكَذِّبِينَ﴾ () .
جاء في فتح القدير () :
وَالْمُرَادُ بِالسُّنَنِ: مَا سَنَّهُ اللَّهُ فِي الْأُمَمِ مِنْ
وَقَائِعِهِ، أَيْ: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِ زَمَانِكُمْ وَقَائِعُ سَنَّهَا
اللَّهُ فِي الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى فِي
الْآيَةِ: أَهْلُ سُنَنٍ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ.
جاء في التحرير والتنوير () : قَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلِكُمْ سُنَنٌ. وَاللَّهُ قَادِرٌ عَلَى نَصْرِهِمْ، وَلَكِنَّ الْحِكْمَةَ
اقْتَضَتْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَغْتَرَّ مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ، فَيَحْسَبُ أَنَّ النَّصْرَ حَلِيفُهُمْ. وَمَعْنَى خَلَتْ مَضَتْ
وَانْقَرَضَتْ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلِهِ الرُّسُلُ} ().
وَفِي الْقُرْآنِ إِطْلَاقُ السُّنَّةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرًا: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} () وَفَسَّرُوا
السُّنَنَ هُنَا بِسُنَنِ اللَّهِ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ.
جاء في روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثان ():{قَدْ خَلَتْ} أي مضت {مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} أي وقائع في الأمم
المكذبة أجراها الله تعالى حسب عادته، وقال المفضل: إن المراد بها الأمم، وقد جاءت
السنة بمعنى الأمة في كلامهم، ومنه قوله: ما عايَنَ الناسُ مِنْ فضلٍ كفضلكمُ ...
ولا رُئِيْ مثلُه في سائِرِ السُّنَنِ.
وقال عطاء: المراد بها الشرائع والأديان، فالمعنى قد مضت من قبلكم سنن
وأديان نسخت، ولا يخفى أن الأول أنسب بالمقام ،...، نعم إطلاق السنة على الشريعة
أقرب من إطلاقها على الوقعة لأنها في الأصل الطريقة والعادة، ومنه قولهم: سنة
النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، والجار والمجرور إما متعلق بخلت أو بمحذوف وقع
حالا من سُنَنٌ أي سنن كائنة من قبلكم فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ أي بأقدامكم أو
بأفهامكم فَانْظُروا أي تأملوا.
جاء في محاسن التأويل ():{قَدْ خَلَتْ} أي مضت {مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} أي وقائع من أنواع
المؤاخذات والبلايا للأمم المكذبين {فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} التي فيها ديارهم الخربة وآثار إهلاكهم {فَانْظُروا كَيْفَ كانَ
عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} أي وقيسوا بهم عاقبة اللاحقين بهم في الهلاك
والاستئصال. والأمر بالسير والنظر. لما أن لمشاهدة آثار المتقدمين أثرا في
الاعتبار والروعة، أقوى من أثر السماع.
جاء في روح البيان (): {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} أصل الخلو الإنفراد
والمكان الخالي هو المنفرد عمن يسكن فيه ويستعمل أيضا فى الزمان الماضي لأن ما مضى
إنفرد عن الوجود وخلا عنه وكذا الأمم الخالية والسنن الوقائع أي قد مضت من قبل
زمانكم وقائع سنها الله فى الأمم المكذبة أي وضعها طريقة يسلكها على وفق الحكمة
فالمراد بسنن الله تعالى معاملات الله فى الأمم المكذبة بالهلاك والاستئصال بدليل
قوله تعالى {فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ}.
جاء في نظم الدرر في تناسب الآيات
والسور () : {قَدْ خَلَتْ} ولما كان
العلم بالقريب في الزمان والمكان أتم، وكان الذين وقعت فيهم السنن جميع أهل الأرض،
ولا في جميع الزمان، أثبت الجار فقال: {مِنْ قَبْلِكُمْ} أي فلا تظنوا بما أملى
لهم بهذه الإدالة أن نعمته انقطعت عنهم {سُنَنٌ} أي وقائع سنها الله في القرون
الماضية والأمم الخالية في المؤمنين والمكذبين، وأحوال وطرائق كانت للفريقين،
فتأسوا بالمؤمنين وتوقعوا لأعدائكم مثل ما للمكذبين.
جاء في تفسير الماتريدي (): وقوله عَزَّ وَجَلَّ {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ
سُنَنٌ}. يحتمل أحكامًا، والأحكام تكون على وجهين: حكم يجب لهم، وهو الثواب عند
الطاعة، واتباع الحق، وعذاب يحل بهم عند الخلاف والمعصية. ويحتمل " السنن
": الأحكام المشروعة.