السنن جمع مفرده سنة من الفعل الثلاثي "سنّ" الذي
نجد لمادته اللغوية "س.ن.ن" في معاجم ([1])
اللغة معاني عديدة ، تتراوح بين الحقيقة والمجاز ، وبعضها تبع لبعض من حيث
الاستعمال. والأصل اللغوي لكمة سنة، هو جريان الماء، ثم عمم لأي شيء يجري في اطراد
وسهولة ويسر ([2])
.
جاء في اللباب في علوم الكتاب () :
والسُّنَن: جمع سُنَّة، وهي الطريقة التي يكون عليها الإنسان ويلازمها، ومنه
سُنَّة الأنبياء.
وقال آخر: [الطويل] وَإنَّ الأُلَى بِالطَّفِّ
مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... تَأسَّوْا، فَسَنُّوا لِلْكِرَامِ التَّآسِيَا
وقال لبيد: [الكامل] مِنْ أمَّةٍ سَنَّتْ لَهُمْ
آبَاؤُهُمْ ... وَلِكُلِّ قَوْمٍ سُنَّةٌ وَإمامُهَا
وقال المفضَّل: السُّنَّة: الأمة، وأنشد: [البسيط]
مَا عَايَنَ النَّاسُ مِنْ فَضْلٍ كَفَضْلِكُمُ
... وَلاَ رَأوْا مِثْلَكم فِي سَالِفِ السُّنَنِ ولا دليل فيه؛ لاحتمال أن يكون
معناه: أهل السنن.
وقال الخليل: سَنَّ الشيء بمعنى: صوره، ومنه:
{مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} [الحجر: 26] أي: مُصَوَّر وقيل: سن الماء والدرع إذا صبهما،
وقوله: {مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} يجوز أن يكون منه، ولكن نسبة الصب إلى الطين
بعيدة.
وقيل: مسنون، أي: متغير. وقال بعض أهل اللغة: هي فُعْلة من سَنَّ الماء،
يسنه، إذا والى صَبَّه، والسَّنُّ: صَبُّ الماء والعرق نحوهما. وأنشد لزهير:
[الوافر]
نُعَوِّدُهَا الطراد كُلَّ يَوْمٍ ... تُسَنُّ عَلَى سَنَابِكِهَا الْقُرُونُ
أي: يُصب عليها من العرق، شبَّه الطريقة بالماء المصبوب، فإنه يتوالى جرْيُ
الماء فيه على نَهْج واحد، فالسُّنَّة بمعنى: مفعول، كالغُرْفَةِ.
وقيل: اشتقاقها من سننت النَّصْل، أسنّه، سنًّا، إذا حددته [على المِسَن] ،
والمعنى: أن الطريقةَ الحسنةَ، يُعْتَنَى بها، كما يُعْتَنَى بالنَّصْل ونحوه.
وقيل: من سَنَّ الإبل، إذا أحسن رعايتها، والمعنى: أن صاحب السنة يقوم على
أصحابه، كما يقوم الراعي على إبله، والفعل الذي سَنَّه النبي سُمِّيَ سُنَّةً
بمعنى: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أحسن رعايته وإدامته. وقد مضى من
ذلك جملة صالحة في البقرة.
ويقال إمض على سنتك ([4])، جاء في فتح القدير () :
السُّنَّةُ هي الْإِمَامُ الْمُتَّبَعُ الْمُؤْتَمُّ بِهِ. وفي
لسان ابن منظور: "سَنَّ اللَّه سُنَّةً أَي بَـيَّن طريقاً قويماً، والسُّنَّة
السيرة حسنة كانت أَو قبـيحة، وَقَالَ خَالِدٌ
الْهُذَلِيُّ يُخَاطِبُ أَبَا ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيَّ:
فَلَا تَجْزَعَنْ مِنْ
سُنَّةٍ أَنْتَ سُرَّتُهَا ... فَأَوَّلُ رَاضٍ سُنَّةً مَنْ يَسِيرُهَا
جاء في التحرير والتنوير () : السُّنَّةُ هِيَ
الطَّرِيقَةُ الْمُسْتَقِيمَةُ، أو السِّيرَةُ مِنَ
الْعَمَلِ أَوِ الْخُلُقِ الَّذِي يلازم الْمَرْء صُدُورَ الْعَمَلِ عَلَى
مِثَالِهَا. وَقَدْ تردّد اعْتِبَار أئمّة اللُّغَةِ إِيَّاهَا جَامِدًا غَيْرَ
مُشْتَقٍّ، أَوِ اسْمَ مَصْدَرِ سَنَّ، إِذْ لَمْ يَرِدْ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ
السَّنُ بِمَعْنَى وَضْعِ السُّنَّةِ، وَفِي «الْكَشَّافِ» فِي قَوْلِهِ: سُنَّةَ
اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ: سُنَّةَ
اللَّهِ اسْمٌ مَوْضُوعٌ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ كَقَوْلِهِمْ تُرْبًا وَجَنْدَلَا،
وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ اسْمٌ جَامِدٌ أُقِيمَ مَقَامَ الْمَصْدَرِ كَمَا
أُقِيمَ تُرْبًا وَجَنْدَلًا مَقَامَ تَبًّا وَسُحْقًا فِي النَّصْبِ عَلَى
الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ، الَّتِي هِيَ مِنْ شَأْنِ الْمَصَادِرِ، وَأَنَّ
الْمَعْنَى تُرَابٌ لَهُ وَجَنْدَلٌ لَهُ أَيْ حُصِبَ بِتُرَابٍ وَرُجِمَ
بِجَنْدَلٍ. وَيَظْهَرُ أَنَّهُ مُخْتَارُ صَاحِبِ «الْقَامُوسِ» لِأَنَّهُ لَمْ
يَذْكُرْ فِي مَادَّةِ سَنَّ مَا يَقْتَضِي أَنَّ السنّة اسْم مصدر، وَلَا أَتَى
بِهَا عَقِبَ فِعْلِ سَنَّ، وَلَا ذَكَرَ مَصْدَرًا لِفِعْلِ سَنَّ. وَعَلَى هَذَا
يَكُونُ فِعْلُ سَنَّ هُوَ الْمُشْتَقُّ مِنَ السُّنَّةِ اشْتِقَاقَ الْأَفْعَالِ
مِنَ الْأَسْمَاءِ الْجَامِدَةِ، وَهُوَ اشْتِقَاقٌ نَادِرٌ. وَالْجَارِي
بِكَثْرَةٍ عَلَى أَلْسِنَة المفسّرين والمعربين: أَنَّ السُّنَّةَ اسْمُ مَصْدَرِ
سَنَّ وَلَمْ يَذْكُرُوا لِفِعْلِ سَنَّ مَصْدَرًا قِيَاسِيًّا.
وفي
الحديث الذي رواه مسلم " عن جرير بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَنْ
سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ
مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ .
وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ
عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ
شَيْءٌ " ([7]).
أي وضع وطرق طريقة حسنة. والطريقة من المعاني اللغوية للفعل سن وللمصدر سنة. ويقول: "إنما أنسى لأسن" ([8])
أي إنما أدفع إلى النسيان لأسوق الناس بالهداية إلى الطريق المستقيم، وأبين
لهم ما يحتاجون إليه أن يفعلوا إذا عرض لهم النسيان ([9]) ، وفي
الحديث " عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ ; أَنَّ
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ الْمَجُوسَ، فَقَالَ: مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ
فِي أَمْرِهِمْ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " سُنُّوا
بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ " ([10]) خذوهم
على طريقتهم وأجروهم في قبول الجزية مجراهم" ([11]).
وباستحضار
المعاني السابقة، نجدها تدل على العناية والتحسين عند الصقل والرعي والسوق والسير
والكلام والصنع والصب والإرسال
والسير في الطريقة، وعلى هذا المعنى يطلق بعض اللغويين مصدر السنة على الوجه ([12])
والصورة وعلى الطبيعة.
وبنظرة
تحليلية للجهود اللغوية في تعريف السنن، نجد تأسيسا وتركيزا لغويا وشرعيا منضبطا
لدى ابن منظور([13])
، رغم تضييقه المعنى، الذي وسعه الفيروز الآبادي ليشمل الجانب الطبيعي الكوني، وهو
يستخدم لفظ "النهج" وهي إضافة هامة لمعنى السنن ([14])
، ليصير أكثر انضباطا. أما الراغب فيجمع بين البعدين الشرعي والكوني في السنة
فيقول أن السنة هي طريقة حكمته وطاعته ([15]). فيما يركز ابن فارس على خصائص السنة؛ اطرادها
وثباتها وجريانها، ومعنى الجريان يعطيه بعدا صوتيا كلما التقى السين والنون ([16]).
وإذا
أردنا تلخيص المعنى اللغوي للسنن، فيمكن القول بأنها فهي الطرائق المطردة والسير
المتبعة والأحكام المطردة في الكون والبشر.
فإذا
أضفنا لها البعد "الإلهي" تكون السنن الإلهية في الاستعمال اللغوي هي
الطرق والسير والأحكام الإلهية الجارية المطردة في الكون والبشر وفق مشيئة الله
وإرادته.