تتعين سنن الله تعالى
على خلقه بإختلاف ما خلقهم الله عليه، وهم على أربعة أقسام: المجبورون في أفعالهم، المجبولون في أفعالهم،
المسيّرون في أفعالهم والمخيّرون في أفعالهم. وهم بهذا التقسيم
تعتريهم سنن الله كل حسب خلقته التي خلقه الله عليها. ونحن في هذا المقال سنوضح
علاقة السنن التي أقام عليها الوجود بالخلق، وعليه تدعونا الدراسة إلى تحديد أصناف الخلائق التي خصها الله تعالى بهذا الخطاب
السنني:
أ-
المجبورون في أفعالهم: مخلوقات ليس لها إلا الإمتثال
لأمر الله، وهي مجبرة في أفعالها، ليس لها من الخيرة في شيء.
ü
كالقلم واللوح المحفوظ
والعرش، وهي ما خلق الله في عالم الغيب من خلق فخصها لنفسه لا يعلم كُنْهَهَا
وماهيتها إلا الله، ولا يُعْلَمُ وجودها إلا من طريق الشرع لا غير، إذ لا مجال
للعقل في معرفتها أو تصورها. ففي الحديث " عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ
قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ
أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ : اكْتُبْ، قَالَ: رَبِّ
وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ
السَّاعَةُ)" ()
ü
كالسماوات والأرض والجبال، وكالشمس والقمر والنجوم والكواكب، وكالأشجار
والأنهار والزرع...إلخ، وهذا الصنف من المخلوقات الذي سخره الله في عالم الشهادة لمخلوقاته
ما يعلم وجوده حسا وعقلا وشرعا. قال تعالى ﴿ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى
السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ
كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ () .
ب- المجبولون
في أفعالهم على طاعة الله: وهم الملائكة الأبرار الذين قال تعالى في حقهم ﴿لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ () ، وقال تعالى في وصفهم بأنهم عباده
الذين لا يحيدون عن أمره وطاعته ﴿ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ () . منهم
الملائكة المقربون: كجبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ومالك خازن جهنم ورضوان
خازن الجنة وحملة العرش وخزنة جهنم، ومنهم الملائكة الموكلون: كملائكة الموت
وملائكة الرحمة وملائكة العذاب، وملك الرعد وملك الجبال، ومنهم الملائكة المكلفون:
نسخ أفعال البشر، التسبيح والتهليل والتحميد والطواف بالبيت المعمور، ومنهم قرناء
لببني آدم وغيرهم من الملائكة عليهم السلام أجمعين. ما ليس من ذوات الأرواح
ت- المخيرّون
في أفعالهم: وهذه المخلوقات ترك لها الله الخيرة في أفعالها بأمر منه تعالى، فمنهم
من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة، قال تعالى ﴿وَلَقَدْ
بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا
الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ () وهم على
صنفين المعلومين في القرآن الكريم. المكلفون
بالخطاب
ü
المكلفون بلا إستخلاف: وهم الإنس والجن. قال
تعالى ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ
يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ﴾ () .
ü
المستخلفون في الأرض: وهم الإنس الذين حملوا أمانة خلافة الله تعالى فوق
الأرض دون سواهم من الخلائق. قال تعالى ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا
الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ ()
ث- المسيرّون في أفعالهم: وهم غير المكلفين بالخطاب من
المخلوقات غير العاقلة المسخرة للجن الموجودة في الكون ما عرف منها وما لم يعرف،
كالحيوانات والدواب والطير وغيرها من المخلوقات التي كانت كذلك في زمن الجن.
إن الناظر والمتأمل في الكتاب المسطور وسوره
وأياته وفي آيات كتابه المنظور، سيلاحظ تردد أربعة سنن جوهرية تمحورت حولها جل سنن
الله تعالى المبسوط ذكرها في القرآن الكريم، إذ تعدّ هذه السنن التي سنها الله الأساس
السنني التي قام عليها الوجود، وما من مخلوق إلا جرى عليه أمر أحدها بكلمة من
الله.
ولقد ورد ذكر هذه السنن الوجودية مجملا في معرض الحديث عن خلق الإنسان في بداية سورة الإنسان، إذ
قال عزّ من قائل ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ
لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ
نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّا هَدَيْنَاهُ
السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ ()،
حيث إشتملت هذه الآيات على هذه السنن التي سنها الله في الوجود منذ أن خلق أول
مخلوق، كما جاء في الحديث "عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ القَلَمَ، فَقَالَ لَهُ:
اكْتُبْ، فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الأَبَدِ" ().
وفي الحديث "عن أبي حفصةَ، قال: قال عبادةُ بن الصَّامت لابنه: يا بُنيَّ
إنَّك لن تَجِدَ طعمَ حقيقةِ الإيمان حتّى تَعلمَ أن ما أصابَكَ لم يكُنْ ليُخْطئَكَ،
وما أخطَاكَ لم يكُنْ ليُصيبَك، سمعتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يقول: "إن أوَّلَ ما خلقَ الله القلمُ، فقال له: اكتُبْ، قال: رب،
وماذا أكتُبُ؟ قال: اكتُبْ مقاديرَ كل شيءٍ حتى تقومَ الساعةُ"، يا بني، إني
سمعتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "مَنْ ماتَ على
غير هذا فليسَ منىّ" ().
ولقد تعينت هذه السنن الوجودية بأكملها بوجه
مخصوص على صنف المخيرّون في أفعالهم من الإنس والجن، وخص الله الإنسان خليفته في
الأرض وحامل الأمانة، ببيان تلك السنن في معرض الكلام عن بدأ خلقه إلى خلوده في
أحد الدارين. كما جاء بيان هذه السنن في الحديث النبوي الصحيح " عَنْ
الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ قَالَ
إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ
يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ
يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ اكْتُبْ
عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ
الرُّوحُ فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ فَيَعْمَلُ
بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ
أَهْلِ الْجَنَّةِ" () .
وبذكر الحديث صراحة السنن الأربع في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ
مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ اكْتُبْ عَمَلَهُ
وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ}.
أولا: سنة الأجل
جاء في المعجم الوسيط
وفي لسان العرب ():" الأَجَلُ : مُدَّةُ الشيء، الأَجَلُ الوقت الذي
يُحَدَّدُ لانتهاء الشيء أَو حُلُولِهِ، الأَجَلُ :
غاية الوقت المحدَّد لشيء".
ومما
تقدم فإن الأجل قد يطلق على إبتداء المدة دون تحديد نهاية، كما قد يطلق على
إنتهاء المدة الزمنية، ويرد للتعبير عن المجال الزمني.
وردت الإشارة إلى سنة
الأجل في قوله تعالى {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ}، إذ ما من مخلوق إلا وقد كتب
الله عليه الهلاك مصداقا لقوله عَزَّ وَجَلَّ ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا
فَانٍ﴾ ()،
وإلى قوله تعالى ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ ()،
ووردت سنة الأجل صراحة في الحديث المتقدم {اكْتُبْ عَمَلَهُ}.
ثانيا: سنة العمل
جاء في لسان العرب ():
" والعَمَل: المِهْنة والفِعْل، والجمع أَعمال، عَمِلَ عَمَلاً، وأَعْمَلَه
غَيرهُ واسْتَعْمَله، واعْتَمَل الرجلُ: عَمِلَ بنفسه؛ أَنشد سيبويه: إِنَّ
الكَرِيمَ، وأَبِيك، يَعْتَمِل إِنْ لم يَجِدْ يوماً على مَنْ يتَّكِل، فيَكْتَسِي
مِنْ بَعْدِها ويكتحِل. وقيل: العَمَلُ لغيره والاعْتِمالُ لنفسه. قال الأَزهري:
هذا كما يقال اخْتَدَم إِذا خَدَم نَفْسَه، واقْتَرَأَ إِذا قَرَأَ السلامَ على
نفسه".
وردت الإشارة إلى سنة العمل
في قوله تعالى {نَبْتَلِيهِ}، والإبتلاء ملازم لعمل الإنسان وكسبه الدنيوي، كما
دلت عليه الآية من قوله تعالى ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ
أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾().
ثالثا: سنة الرزق
جاء في لسان العرب():الرِّزْقُ:
مَا يُنْتَفعُ بِهِ، وَالْجَمْعُ الأَرْزاق. والرَّزق: العَطاء وَهُوَ مَصْدَرُ
قَوْلِكَ رَزَقه اللَّهُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُهُ قَوْلُ عُوَيْفِ
القَوافي فِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ:
سُمِّيتَ بالفارُوقِ، فافْرُقْ
فَرْقَه، ... وارْزُقْ عِيالَ المسلمِينَ رَزْقَه
الرازقُ والرّزَّاقُ:
فِي صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى لأَنه يَرزُق الْخَلْقَ أَجمعين، وَهُوَ الَّذِي
خَلَقَ الأَرْزاق وأَعطى الْخَلَائِقَ أَرزاقها وأَوصَلها إِلَيْهِمْ. والرَّزْقُ
المطرُ لأَنّهُ سَبَبُ الرِّزق.
وردت الإشارة إلى سنة
الرزق في قوله تعالى {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ}، إذ ما من مخلوق إلا وقد كتب
الله له رزقه، مصداقا لقوله عَزَّ وَجَلَّ ﴿اللَّهُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ
شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ ().
ودلّ عليها الحديث المتقدم ذكره صراحة {وَرِزْقَهُ}، ولن تموت نفس حتى تستوفي
رزقها من كتبه الله لها كاملا غير منقوص.
ثالثا: سنة الهدى
جاء في معجم اللغة
العربية المعاصرة ():
هدَى يَهدي، اهْدِ، هُدًى وهَدْيًا وهِدايةً، فهو هادٍ، والمفعول مَهدِيّ. هدَى
الحائرَ: أرشده ودلَّه، وفَّقه، عكسه أضلّه {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى}. هدَى
فلانًا الطَّريقَ/ هدَاه إلى الطَّريق/ هدَاه للطَّريق/ هدَى له الطَّريقَ: عرَّفه
إيّاه، وبيَّنه له، ساقه ووجَّهه {وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
". وجاء في لسان العرب():
وقوله تعالى {إِنَّ علينا لَلْهُدَى}()،
أَي إِنَّ علينا أَنْ نُبَيِّنَ طريقَ الهُدَى من طَرِيق الضَّلال. مِنْ أَسماء
اللَّهِ تَعَالَى سُبْحَانَهُ: الهَادِي، قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ الَّذِي
بَصَّرَ عِبادَه وعرَّفَهم طَريقَ مَعْرِفَتِهِ حَتَّى أَقرُّوا برُبُوبيَّته،
وهَدى كُلَّ مَخْلُوقٍ إِلى مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فِي بَقائه ودَوام وجُوده.
دلت الآية دلالة واضحة إلى
سنة الهدى في قوله تعالى {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا
كَفُورًا}، وعبر عن هذه السنة في الحديث بالسعادة والشقاء {وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ}،
وما من مخلوق إلا وقد سبق الله في علمه بسعادته أو شقائه وفق ما جرت به المقادير
في أعماله، وعليه يكون جزاؤه الأخروي مصداقا لقوله عَزَّ وَجَلَّ ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ
خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ
وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ
سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ
وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ () .
ونقدم هذا الجدول لبييان كيفية تعيّن سنن الله
تعالى الوجودية على خلقه حسب خلقتهم التي خقهم الله عليها، فأما الخلائق كلها
فتسري عليها سنة الأجل. كما تسري سنة العمل عليهم كل حسب ما خلقه الله عليه. وتختلف
سنتي الرزق والهدى على باقي الخلائق وجودا وعدما، فأما المجبورون فلا تسري عليهم
هاتين السنتين. وأما المجبولون من خلق الله وهم الملائكة الأبرار فلقد خلقهم الله مهتدين
إلى طاعته من غير حاجة إلى الرزق، والمسيّرون من خلقه تعالى من الدواب والأنعام
والطير وكل المخلوقات غير المكلفة فلقد تجاوز الله عن أفعالها لأن خطاب التكليف لم
يتعلق بها، وبقي الصنف الأخير من الذين تعلق خطاب الله بهم من الإنس والجن
"تعلقا صلاحيا قبل وجودهم، وتنجيزيا بعد وجودهم بشرائط التكليف" ().
جدول: سنن الله تعالى في الوجود وتعلقها بخلقه